الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

وعدُ التاريخ



التَف الفضاء من حولي برداء أسود ولم يعد من شمسنا سوى ذبالة جمرة شاحبة تحاول جاهدة تمزيق قطع الظلام، وهبت ريح هبوبا عظيما وارتسمت على الجدران علامات السوء، فلم أجد بدا من أن ألج حجرتي المطلة على الجبل. فتحت حاسوبي لألقي إطلالة على صفحتي في الموقع الاجتماعي المعروف، فكان أول ما رأيته صورة لطبيب فلسطيني يحمل بين يديه طفلا محروقا تماما، لم أصدق ذلك  فاتجه بصري مباشرة إلى النص المصاحب للصورة فوجدته يقول:" ينبغي أن يشارك الجميع هذه الصورة ليرى العالمُ أطفالَ غزة كيف يحترقون؟".
  حاولت حث نفسي على التجلد والصبر.
حسبتني قادرا على الإستمساك في وجه هذه المصيبة؛ خصوصا وأنني ألفت النظر إلى الموت. لكن سرعان ما أدركت أن من الرزايا ما لا يطاق، وأن من الموت الغريب، وأنني المقتول الغريب.
    وضعت كفي على خدي وذرفت دمعتين. و بينما أنا على تلك الحال فاجأني ما لم يكن في الحسبان! صوت مخنوق بين فكي الجبل  يقول: أنت أيها العربي تمهل كيف هان عليك في آخر يوم من أيام الذل أن تبكي؟ وبكاء الرجل نزعة فاسدة مستهجنة، وهو آخر ما يمكن أن تصل إليه النفس في حياتها من شقاء وعناء.
      ما عساني أفعل؟
  لا عذر لك مهما امتلأ قلبك باليأس. تمهل فقد شاء القدر ليحملك من هذا العالم البسيط المحدود إلى عالم شاسع الأطراف.
   تمتمت والحسرة تخنق صدري؛ وأين حظي من عالم محدود هييه وآخر كله وعود.
إسمع يا بني من ابيضت صحفه ابيضت راياته وصار قشا ترفسه الأقدام، فلا تحاول الإعالة وجيبك مرقوع، ومن لم يقدر قوة خصمه صار فريسة لجهله.
   كيف وأنا المهزوم ؟
   أتجهل أم تتجاهل أنت؟. أموري أنت كنعاني عمرك تجاوز ضعف الألفين.
أنت من أنت أيها السائل المجيب؟ أراك أعلم بي من نفسي؟.
     كن حكيما وتمهل فبالحكمة تؤتى الأمور فأنا التاريخ وأنت العربي، حبلت أمك في أرض الشام قبل الميلاد بخمس مائة وألفين، وتمت ولادتك في فلسطين أرض جدك كنعان؛ حضارة راسخة دونها التاريخ.
   الآن أذكر أيها التاريخ فاشهد زرعنا الزيتون والقمح والشعير، وفواكه العنب. سلاحنا من نضار الحديد، تفنن صناعنا في الفخار وشيدوا الأسوار. تجاهلنا "بعل"(1) بعد أن أنعم الله بالإسلام، لغتنا منبعها العربية الأولى أبجدية مسمارية أول ما عرفه التاريخ منذ ذاك الوقت. و "أوروسالم"(2) في حضننا.
لا عليك أيها العربي المحزون سيعود عمر بأخلاق سلفه(3) ويفرش القدس ورودا ويزين مدخلها بأغصان الزيتون.
سيعود منكم صلاح(4) وسيقبل استسلامهم ويكتب على المدخل بحروف عربية: "القدس لنا عاشت وعاش الإسلام" سيكون ذلك وتشهد صلبانهم منحنية حيث القدس ولاية إدارية وعسكرية عربية إسلامية، ودولتكم أكبر دولة في التاريخ.
     ستستمتعون بفضل الزيارة والصلاة في القدس، وتقيموا طريقا سيارا بريا بين مكة المكرمة والقدس مرورا بالمدينة المنورة  وستكون الاستراحة في الشام. و القاهرة مقر لجنود جرارة تستصلح التلف الذي لحق البلاد العربية الإسلامية جراء الزلزال الذي أصابها، وتقوم بترميمات كبرى في ضواحي القدس، وتطفئ لهيب شعلة الصهيونية في البحر الأبيض المتوسط، وتعصف بأحلامهم في دولة أزلية لبني صهيون، وبغيِّ هنري مكماهون(5)
ستقوم ثورة إسلامية كبرى من أجل قضية كبرى(6) بعد أن يعم الربيع كل البقاع.
    يكفيني فخرا أيها التاريخ أنني تألمت حتى اختنقت، وفكرت حتى أعوزتني التأويلات واختلطت علي الأوراق، فاخترت أن أكون حرا حيث هجرت المسار وتحديت القرار، ورفضت الحصار وخضوع الحمار.. لأنني مسلم عربي.  وملء أفواههم فأنا عربي وأفتخر حر ولا أعتذر. نفسي تعج حيوية و زفراتها فجرت بركان الحرية  في تونس معلنة بذلك انطلاقة عربة الكرامة والشهامة ترفس الجردان من قطر لآخر وستواصل المسير في اتجاه القدس ليكون وعدك حقا.                                                                                            بقلم: حسن إدريسي 
لقراءة الخبر من مصدره اضغط هـــــنا
هوامش:
1) بعل أهم إله لدآ الكنعانيين، كانوا يعتبرونه الإله المحارب، صوروه مسلحا. وكان الفينيقيون يعتبرونه إله الشمس وقد نقلوا معهم عبادته لقرطاج بشمال أفريقيا حيث أطلقوا عليه الإله بعل هامون.
(2) "(أول اسم أطلقه الكنعانيون عن القدس).
(3) سيأتي عمر بنفس الأخلاق التي كان يتمتع بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(4) شخص اسمه صلاح الدين بشجاعة صلاح الدين الأيوبي.
(5) حيث قال عن منطقة فلسين: لا يمكن أن يقال إنها عربية محضة، السير مكماهون، 24 أكتوبر 1955.
(6) جعل كلمة الله هي العليا 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق