عذرا أيها الوطن،
لقد خدعني إعلامك .
تأملات على هامش
توقيع كتاب "الصحراء صرخات ملتهبة للكاتبة مليكة واليالي.
بالأمس، أثناء توقيع كتاب "
الصحراء صرخات ملتهبة" للكاتبة مليكة واليالي، بقاعة الأفراح باليوسفية تحت
إشراف جمعية محترف الإشعاع للتربية والفنون، وبتعاون مع جمعية تجكانت للتنمية
القروية والتواصل بإقليم الرحامنة، واللجنة التحضيرية للجمعية المغربية لتربية
الشبيبة فرع اليوسفية، استمعنا إلى شهادات صادمة لضحايا الاحتجاز بمخيمات تندوف،
تطرقوا خلالها إلى جحيم الاعتقال ووحشية المعتقل(بكسر القاف) الذي افتقد كل القيم
والمبادئ الإنسانية.
شهادات أذرفت الدموع، وكست المكان
بوشاح الحداد والمأساوية والجنائزية، مصعدة بالرغم عنا الآهات والتأوهات حزنا
وأسفا على خدوش هذا الوطن وندوبه وجراحات هذه الفئة من أبنائه الذين عدموا يدا
حنونا تضمدها، فاستحالت إلى تقرحات مقززة.
عذرا أيها الوطن، لقد خدعني إعلامك حينما سوق لي عن طريق قنواته صورة عنك
مزيفة، عرفتك فقط مسرحا للسهرات الراقصة والمهرجانات الباذخة التي تبيض في سلة من
سماهم المشاهير عشرات ، بل مئات الملايين من السنتيمات احتفاء بالعفن الذي كذبوا
علينا فقالوا "فن"، وبالعفانين، عفوا الفنانين، دون أن تكون له أدنى
التفاتة للفنان الحقيقي الذي رسم أروع المشاهد الملحمية، وعزف أرقى سمفونيات حب
الوطن بصدره العاري ونفسه الراقية التي لم تسمح لمشاعره أن تحيد عنه قيد أنملة، حتى ولو كان الثمن وأدا في قبر الاعتقال الهمجي
لعقدين هما جوهرة العمر.
لو سألوني عنك ـ أيها الوطن ـ قبل
اليوم لقلت إنك بلد الهناء، يعيش أبناؤك في رغد ودعة، كل الأساسيات والكماليات ملك
أيديهم، لا ينقصهم سوى الترفيه عن النفس بمشاهدة المسلسلات المتعددة الجنسية،
والسهر نهاية كل أسبوع حتى وقت متأخر من الليل لإمتاع النفس بالفنون الغنائية
والرقصية المتعددة الألوان والأشكال.
اليوم اكتشفت وجهك القبيح ـ أيها الوطن ـ اليوم سقط القناع الذي دثروك به،
فبدوت لي بصورتك الحقيقية التي تخترقها الخدوش والهالات السوداء وبقع الإقصاء
والتهميش وتنكر الكبير للصغير، ذلك الكبير الذي يتطلع دوما إلى من هو أكبر منه،
إلى من تتسابق الكاميرات لالتقاط صوره، ويتساقط العشرات في أحضانه طلبا لبركته،
ليتأتى له شرف الاحتفاء به وتكريمه، ويذكر اسمه مقترنا باسمه، فترتفع من ثمة أسهمه
العالمية في بورصة "الفن" كعاشق صوفي ذي ذوق راق، لا يقدر للمال قيمة في
سبيل الرقي الفني والاحتفاء الفني. ذلك الكبير، والحالة هذه لا يمكن إلا أن يبقى
مرفوع البصر دون البصيرة، لأن خفضه إياه يعني الوقوع على أشياء مفسدة لمتعة معانقة
المجد، مقززة للنفس من قبيل مارأته عيوننا، وما سمعته آذاننا بالأمس في تلك القاعة
التي تحولت إلى قاعة الأحزان من محتزجي تندوف الذين ظنوا واهمين أن لعنة الجغرافيا
حجزت إعلامك عن سماع أنينهم الذي ملأ الدنيا، ورؤية مأساتهم التي شغلت الناس،
فانتقلوا إلى قلبك النابض معتصمين أشهرا بجانب مقر قنواتك، وأمام بناية برلمانك،
بيد أن عمى الألوان حجز إعلامك المرئي عن رؤية هذا الحطام البشري، أو ربما هو
القرار بالتعامي مخافة أن يشوش على الصورة الجميلة التي تأخذ بالألباب، والتي قضى
زهرة شبابه في رسمها مشكورا في أذهاننا عنك وعن دفء الحياة عبر كل ربوعك.، أو رحمة
بنا وشفقة علينا من أن يتسلل الرعب إلى نفوسنا نحن الذين أراد لنا أن نمرح ونلعب
ونلهو في حضنه، ونبتعد عن المنغصات المكدرة لصفو الحياة ولذة العيش.
لكن مع كل الأسى والأسف ما أحجم عنه إعلامك ـ أيها الوطن ـ أقدمت عليه
الجمعيات المنظمة للنشاط باستضافة كاتبة الصرخات الملتهبة، وباستضافة أصحاب
الصرخات، فأي جرم هذا الذي ارتكبوه في حقنا، وأي معصية تلك التي أقدموا عليها بتكسيرهم
حاجز الصمت، وردمنا في " دراماتولوجيا " أراد لنا إعلامك مشكورا أن نبقى بمنأى عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق