الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

اعلان في جريدة

يحاول الخلاص من تلك العتمة والصمت والوحدة ، يحاول الفرار من بين الجدران الأربعة ، وملصقاتها المخيفة المرعبة هياكل عظمية , جماجم , حيوانات وطيور غرفة أشبه بمدينة اشباح حيث يكسر ظلمتها بصيص فانوس نفطي زجاجها يظلله سخام . أوقد مصباحه اليدوي المشحون قليلا جلس مستلقيا على كرسيه الدوار مفكرا ماذا يفعل تذكر رزمة جرائد ابتاعها أثناء قدومه من الجامعة سحب واحدة وعلى واجهة الصفحة الرئيسية إعلان باللون الأحمر ( بقي ساعة على نهاية حياتك ) ابتسم للعنوان وفتح الجريدة ليعرف ماذا بعده . هربت من غرفتي المظلمة وبيدي حقيبتي فتحت باب الشقة وجدت ظرفا ابيض، لم اعره اعتبارا. سحقته ومررت بطريقي إلى السلم راودني قلق عنيف عاودت الرجوع إليه تسليت بفتحه وأنا انزل السلم سلمة .. سلمة . بهدوء ، ما قرأته أربكني في الوهلة الأولى ثم قارنته : ( بقي ساعة على نهاية حياتك ) بما قاله محمود درويش : ( لو قالوا لك بقي ساعة من حياتك ماذا ستفعل ) ومعها رصاصة التفت يمينا ويسارا وأرجعت الورقة والرصاصة إلى الظرف ، رميته في احد جيوبي قطعت الطريق صامتا هادئا دون أي انفعال حتى وصلت إلى بيت صديقي فتح الباب فوجئ بوصولي في هذا الوقت المتأخر قلت له

- لا شيء لكن الوحدة حددت نهاية حياتي فأفضل مكان أوي إليه هو بيتك

- ماذا تقصد ؟ ..

- غرفتي مظلمة وحتى النور صار ظلاما وأريد أن اقضي هذه الليلة معك وأتسامر .

- أهلا بك هذا بيتك في أي وقت .

ارتشفنا فناجين الكاباشينو ونظرت لساعتي سبقني بالكلام

- تريد أن تذهب ؟ لن اسمح لك الخروج من البيت في هذا الوقت المشحون بالرعب مهما تكون حاجتك في الذهاب..

ضحكت وأنا أغمض عيني بحرقة وألم واضعا الفنجان على الطاولة المربعة .

- لا , اطمئن , لن اخرج ولكن أقول بقي ربع ساعة على وفاتي ..

- ماذا يدور في بالك منذ دخلت وأنت تقول وحدتي حددت نهاية حياتي بعدها قلت بقي ربع ساعة على وفاتي .

لا ادري ماذا أقول له وأنا أمد يدي في جيبي وأوزع ابتسامة مريرة الظرف يرتجف بيدي رمقه بقوة وخطفه مني سقطت الرصاصة سحب الورقة وسبقته

- نعم .. نعم , ربما كل شيء يكون حقيقة وتكون هذه الورقة حقيقة لا احد يعرف بها لو عرفوا قد يستغلها البعض وينفذ ما يدور في باله ويحقق أمنيته لأنه فاشل

إذ يمتزج صونه بصوتي وهو يقرأها بصوت عالي

- ( بقي ساعة على نهاية حياتك ) ..

رددها بخفوت صوته مرة أخرى كانت زوجته واقفة عند الباب تنظر إلينا تحاول أن تشترك في حديثنا صرخت بصوت عالي :

- يا للمصيبة , أنت ؟ من هم هددوك ؟

- لو اعرفهم لقتلتهم بعقلي لا بالسلاح ..

قال صديقي بحيرة

- ماذا ستفعل كيف تثبت صحة هذه الرسالة .

- لا ادري ماذا افعل عقلي تجمد ولم يفصح لي بأي شيء لدي فكرة ارجع إلى شقتي وارى ماذا يحدث بعد الساعة .

- لا .. لا تخرج ربما نصبوا لك كمينا وتسقط في مصيدتهم أما يقتلوك ويرمون لحمك للكلاب أو يساومون اهلك فتخسر ويخسرون.

تصاعدت خيوط الفجر وقبل أن تكسر الظلام كليا أقنعتهم بان اذهب إلى شقتي اجلب جواز سفري حتى أسافر إلى خارج العراق تركتهم بحزنهم وخرجت وحدي وأنا في سيارة التاكسي ما ظن لي ظن بان يكون السائق يراقب تحركاتي في أول الأمر وتوجسني إحساسي وكأن لي شيء في الحقيبة حين فتحتها أذهلت بوجود جواز سفري وراتبي الشهري استلمته أمس ولم أخرجه فرضت على سائق السيارة بأن يوصلني إلى مطار بغداد قبل الوصول إلى الحي السكني تعجب سائق التاكسي لان الطريق إلى المطار بعيد جدا يتجاوز الساعتين بسبب الازدحام . وصلنا إلى المطار توقف التاكسي تذكرت رزمة أوراق فيها بحث مهم جدا ويجب علي أن أخذه معي بقيت في حيرة وتردد ماذا افعل ارجع أم لا طلبت من السائق أن يرجعني إلى المكان الأول تعجب سائق التاكسي بصمت حرك رأسه ويده وقال :

- ماذا تفعل أنت .. أنت مجنون أم نقودك كثيرة ؟

- تذكرت بحثا وهو جدا مهم وأريد الرجوع إليه

أخرجت موبايلي حاولت الاتصال بصديقي وجدته نافذ شحنه استعرت بطارية موبايل السائق واتصلت به يرن الهاتف ولم يرد احد قطعت الطريق بالصمت وراودتني أفكار غريبة طويلة عجيبة لا يسعها صدري قد يكون الرقيب يتابع خطواتي من حيث خرجت وحيث دخلت ومن حيث خرجت ثانية حدقتاي ترى ما حولي وحوش . التفت للسائق وكأنه وحش قطعت نظراتي منه وعدت لأتساءل مع نفسي لماذا ضغط السائق منبه قبل أن أؤشر له وسيارته حديثة جدا لم تكن سيارة أجرة قد يكون واحدا منهم الموت حليفي لا محال ولا مفر

داس على الكابح بعنوة ، فقطع تساؤلاتي الداخلية واستعاد سرعته وعاودت التساؤلات تتدلى من أفكاري بصمت .

ربما أجد في عتبة باب شقتي منشورات وظروف جدد وتهديدات أخرى واحد يقول ، غدا تموت ، والآخر أكثر حداثة يقول بعد قليل تموت . أجد الظروف تملأ الممر ، اسحقها كلها أول الأمر ثم أعاود لفتحها ، وقرأتها الواحد بعد الأخر ، أو القاتل واقف عند الباب ، ينتظرني ، اخرج أو ادخل ، وسلاحه بيده وحتى دون لثام وجهه لأني لو نجيت لمن أقدم شكواي . منبه السيارة أيقضني مرة أخرى بدأت أرى كل واحدا متلبس بشبح أو وحش بيده خنجر أو سكين أو .... أوقفت سائق السيارة عند باب العمارة دخلت ، ارتقيت السلم إلى الطابق الرابع بخوف وفزع عظيمين وصلت .. ماذا رأيت ؟؟؟

رأيت جثة هامدة عند عتبة بابي , إنه صديقي ....

في نهاية الإعلان تحذير

ربما خالفه القدر ونجا من الموت فالموت حليفك لا محال .....

أطبق الجريدة وقال :

- لا محال .. الموت لا يعرف ...

قفل هاتفه وبقي في شقته منقطعا عن عالمه الخارجي وسط العتمة والصمت حتى وجدوه ميتا.

28/6/2010

**************

نشرت في مجلة بانقيا صيف 2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق