الجمعة، 28 ديسمبر 2012

زفـــــــرات

زفــــرات بقلم : ذ. حسن إدريسي- المغرب

زفـــــــرات

هي سلسلة تأملات قارسة جمعتها في وطن كله استثناء؛ الحياة،الناس بل وحتى المشاعر

في غمرة السؤال


      بين رجة الخيال وزحمة السؤال شدني الحنين إلى نيتشه فنصحني بمقال: "لاتنجح  أمور ما لم تكن وراءها نفوس تضج حيوية"، كيف وأنا المهزوم؟.
وأنا في غمرة الإشكال ناداني ديكارت: يا بني "لا شيء يأتي من لاشيء، لا شيء يأتي من  العدم"، فتذكرت عظمة الخالق وأمسكت بالخيط الفاصل بين الخلق والإبداع؛ فالأول من العدم والثاني في حاجة ملحة لمعطى، والخلق للخالد والخلود كما أسلفت تفردت به الآلهة، ومن شمعة أطفئ لهبها بماء تفرقت قوانا. ومهما حاولت فلن يكون جهدي بأبلغ من جلجاميش وزميله سليل الوحش والضباء أكايندو. وحتى لا أستسلم لذل المآل؛ فالحياة على قصرها لا تخلد بالمال بل بالنقش على الرق وبرسم معدنه خالص نضار.

في ضيافة الموتى                                                 


ما أعذب أن أرى وجهكِ في صفيحة القمر
تكلم يا بني فالصمت أخ للموت
نعَم شمسي العالية أذكر أني كنت في سذاجة الطفل كالقشة يبللها المطر.
تكلم يابني، حاول طرد ذلك الشيطان الذي يحاول خنقك
هأنذا أصارع نواميس الطبيعة..جلبني الفضول، عفوا الشوق إلى تذوق ما تنعمين به من راحة أبدية، أي قضاء هذا؟ بأي حق فرق الأحبة؟
عد إلى رشدك بني... إنه القضاء المحتوم، وإذا لم تستطع الصفح فليكن النسيان.
النسيان؟ بل هي دموع النسيان تحرقني تمزق أطرافي ... صرت عدما، والحياة من دونكِ عدم .
ما عهدتك متشائما، كنت دائم الابتسامه!
إنها وخزات الضمير وتشتد عندما تلعب الرجال
تركتكَ طبيبا؛ طيّب القلب حلو اللسان
طبيب! طبيب معلول، طبيب وبه خبل،كنت طبيبا قبل أن تنسل الأفعى إلى العُش، قبل أن تسقي الفراخ سما.كدت أجن بعدما نادى المنادي، لكنني كشفت عن السم المندس في العسل، ولكن ما عساني أفعل والجميع تجرع؟
أماه عودي وانعمي براحتك الأبدية وسأظل حافظا للذكرى. مازلت أذكر، وما أعذب أن نبكي كلما تذكرنا آلاما لا نستطيع نسيانها.

معشوقتي                                                    


     تزوجتها خفية لا مراءة للناس ألفيتها حلوة مورقة وإن كانت متعطشة لقبلة الحب،بكت من حيث لا أدري فسقطت دمعتها على خدي فذرفت عينايا أخرى، واختُطت الدمعتان في مسيرهما على خدي دمعة واحدة
لأدرك أن حياتي مدخلة في حياتها حياتان حياة واحدة. سأصير لها عبدا، جنديا، محاربا، حبيبا وعاشقا.
كيف لا وقد جمعت حروف الجمال كاملة عربية الخد، أسيلة المظهر والقوام بعدما اصطفت أعضاؤها متناسقة.
تزوجتها قبل بلوغي الرشد حيث استهوتني حروف جمالها الثمانية والعشرين يحضنها الضاد
هي لغة الضاد، هي العربية ملهمتي لكني لم أجد حتى الساعة بيتا يأويها يأويني يأوينا معا...

الدانية                                                     


    انزاحت الحشمة فاسترقني إليها النظر... عانقتني ولحرارة الموقف طاوعتها في ذلك الغرور، اكتشفت أنها حلوة خضرة لكنني أخشى أن تكون ثمارها مسمومة !
    استدركت متسائلا كيف وريقها ماء قطرته السماء؟ خدها مزركش بألوان بهية، ألوان طيف رأيتها بعدما ازينت واتخذت زخرفها، أبديتُ في البداية بعض المقاومة لكن سرعان ما استسلمت لغوايتها بعد أن استنشقت عطرها المطعم بباقة الورود التي أمسكت بها أناملها... وبعد اللفة واللفة أدركت أن الحبل دائرتين حول العنق.
... هكذا تبدو لأهلها وطلابها حلوة تسر الناظرين، وتغر المغفَّلين، وتفتن المغرورين. ولكن سرعان ما تزول تلك الحلاوة، وتذبل تلك النضارة؛ إذ من طبيعة هذه الحياة الهرب من طالبها والساعي إليها؛ والطّلبُ للهارب منها والفار عنها.

ألوان طيف                                                 


        دوائر منها الأخضر والأحمر، مربعات متقاطعة؛ لكنها قصدا لم تشكل راية إسرائيل لمعاداتها للكيان الصهيوني.
أشكال خرافية ممشوقة ببهجة ألوان الصحراء؛ البني والأصفر يجمع بينهما خيط أخضر نسجوه من زعف النخيل. دنيا قريبة بعيدة من عالم الخفافيش، يتجاذبها الطرفان وقصدا يقع التنافر لإيمان أصحابها بأن الحكمة الربانية تسير الكون.
و بعد أن تمحصوا واستنتجوا ما استنتجوه من تأويلات هي كذلك بألوان مختلفة، سألوني عن الحب فقلت: مرتبط بالقلب ومصدره الشعور بفضل الآخر، و القلب عندي نقطة دم يسيّرها العقل، كلما احتاج الدماغ للدم سالت فأنعشته وارتخت أعصاب يدي واستجمعتْ قواها في أصابع اليد اليمنى خدمة للقلم، ليسيل مداده بلون بنفسجي دم ومداد.

أصوات الشمال - بتاريخ : الخميس 14 صفر 1434هـ الموافق لـ : 2012-12-27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق