قاب قوسين-حسن إدريسي-اديب من المغرب
على طريق ممتد وكله منعطفات يرفع اليسرى لما تتعب اليمنى إلى أن توقفت سيارة متآكلة الحواف، فتح الباب ثم ألقى التحية و نظف مكانا ليجلس فيه عندها ضم رجليه حتى لا تصيبها ضراءٌ من الحواف الحديدية الحادة التي بدت بارزة من الداخل.
لا لغة تعلو على لغة السب والشتم التي ينهال بها السائق العجوز على كل من طالبه بالتنحي عن الطريق ورجله لم تفارق دواسة السرعة، لا شك أن بينهما علاقة حميمية منذ زمن بعيد. أما العداد ففي عناق حار مع المائة انسجاما مع السمفونية التي تنشدها العجلات في احتكاكها مع الطريق الشائك حتى تخيلتني في مركبة فضائية تصارع طواحن الهواء بل هو كذلك لولا الآيات القرآنية التي تتعالى بين الفينة والأخرى على باقي الأصوات فتنبهني باقتراب الفناء، وتساعدني على استحضار الشهادتين.
نزلت بعدما توقفت السيارة وتفقدت أعضاء جسمي عليِّ فقدت أحدها، استخبرت الطريق فارغة تماما ولما أخذت في قطعها كادت سيارة تقطعني نصفين لا أعلم من أي اتجاه نزلت.
على الجهة اليمنى بناية شبيهة بالضريح ! ولجتها فرأيت مجمعا من الناس منهم من تحلق في دائرة ومنهم من أخذ خطا مستقيما يسير ثم يعود من حيث أتى، وآخر جالس على حافة الطريق ويمعك أصابع رجليه وغاضب يصدر من فمه تأوهات، فيما بدأت بعض الفتيات بالنياحة.
استفسرت عن المكان فأخبروني أنه الإدارة لأعلم أننا نتقاسم نفس المصير؛ الانتظار شأن جل الإدارات العمومية.
وبعد ساعة من الانتظار تقريبا دخل أحدهم وبيده حزمة من الجزر وضعها في صندوق السيارة الخلفي ثم مر بجانبنا مترفعا ولم يلق تحية ولا سلاما.
أخبرتني إحداهن أنه من سيقضي حاجتي وأن اسمه عبد السميع
صعدت الدرج من بعده مباشرة، أمهلته حتى سوى وضعه في الكرسي وطرقت الباب مستأذنا. أشار إلي بالدخول، وجدته صحبة شخصين فوقفت أمامهم برهة ليست بالقصيرة مكنتني من تحديد ملامحهم ومعادنهم.
من خلال الحديث الرائج بينهم أدركت أنه لا يحمل من اسمه شيئا فالسميع : هو الله ذلك أنه شديد السمـع ، صيغة مبالغة من السامع، المُسمع، المدرك لما يقوله أو يفكر به عبده، ومن خلال حواره توصلت إلى أنه يعرف كل شيء، ويعتقد جازما أنه دوما على حق، ويثقل عليه قبول الحق، يتجاهل إنجازات الآخرين ويحاول التقليل منها، لا يحترم رأيا ولا يرى له قدرا، لا يشكر معروفا ولا يثمن جميلا.
وبلغة متعجرفة معجونة بين العربية والفرنسية استفسر عن حاجتي وبعد ذلك قدم لي ورقة للنسخ
كلماته القلائل كشفت لي عن معدنه فوقفت حازما لم أبالغ في مدحه، ولم أبدي اهتماما لآرائه ولم أدخل معه في جدال عقيم.
فلما أحس بالسم الذي تقطره عينايا حقدا على تصرفاته قال: إن خدمتك لا تعنيني ثم عرض علي أن يمسح حذائي لأن خدمتي وقضاء مصالحي لا تعنيه متفاخرا بكونه رئيس مصلحة ولا ينبغي لي الاحتكام إلى الشجار في وجه قراراته فأخبرته أن لا فرق عندي بين رئيس مصلحة وعامل في مزرعة، ولربما العامل أشرف ...وأن فتطاير الدخان من جمجمته وأظن حفيظته احترقت
ثم تذكرت قول الشافعي: "والله لو علمت أن شرب الماء يلثم مروءتي ما شربته طول حياتي"
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ ... أفرس تحتي أم حمارُ؟ وأخذت ورقتي بعد أن سواها وانصرفت.
لا لغة تعلو على لغة السب والشتم التي ينهال بها السائق العجوز على كل من طالبه بالتنحي عن الطريق ورجله لم تفارق دواسة السرعة، لا شك أن بينهما علاقة حميمية منذ زمن بعيد. أما العداد ففي عناق حار مع المائة انسجاما مع السمفونية التي تنشدها العجلات في احتكاكها مع الطريق الشائك حتى تخيلتني في مركبة فضائية تصارع طواحن الهواء بل هو كذلك لولا الآيات القرآنية التي تتعالى بين الفينة والأخرى على باقي الأصوات فتنبهني باقتراب الفناء، وتساعدني على استحضار الشهادتين.
نزلت بعدما توقفت السيارة وتفقدت أعضاء جسمي عليِّ فقدت أحدها، استخبرت الطريق فارغة تماما ولما أخذت في قطعها كادت سيارة تقطعني نصفين لا أعلم من أي اتجاه نزلت.
على الجهة اليمنى بناية شبيهة بالضريح ! ولجتها فرأيت مجمعا من الناس منهم من تحلق في دائرة ومنهم من أخذ خطا مستقيما يسير ثم يعود من حيث أتى، وآخر جالس على حافة الطريق ويمعك أصابع رجليه وغاضب يصدر من فمه تأوهات، فيما بدأت بعض الفتيات بالنياحة.
استفسرت عن المكان فأخبروني أنه الإدارة لأعلم أننا نتقاسم نفس المصير؛ الانتظار شأن جل الإدارات العمومية.
وبعد ساعة من الانتظار تقريبا دخل أحدهم وبيده حزمة من الجزر وضعها في صندوق السيارة الخلفي ثم مر بجانبنا مترفعا ولم يلق تحية ولا سلاما.
أخبرتني إحداهن أنه من سيقضي حاجتي وأن اسمه عبد السميع
صعدت الدرج من بعده مباشرة، أمهلته حتى سوى وضعه في الكرسي وطرقت الباب مستأذنا. أشار إلي بالدخول، وجدته صحبة شخصين فوقفت أمامهم برهة ليست بالقصيرة مكنتني من تحديد ملامحهم ومعادنهم.
من خلال الحديث الرائج بينهم أدركت أنه لا يحمل من اسمه شيئا فالسميع : هو الله ذلك أنه شديد السمـع ، صيغة مبالغة من السامع، المُسمع، المدرك لما يقوله أو يفكر به عبده، ومن خلال حواره توصلت إلى أنه يعرف كل شيء، ويعتقد جازما أنه دوما على حق، ويثقل عليه قبول الحق، يتجاهل إنجازات الآخرين ويحاول التقليل منها، لا يحترم رأيا ولا يرى له قدرا، لا يشكر معروفا ولا يثمن جميلا.
وبلغة متعجرفة معجونة بين العربية والفرنسية استفسر عن حاجتي وبعد ذلك قدم لي ورقة للنسخ
كلماته القلائل كشفت لي عن معدنه فوقفت حازما لم أبالغ في مدحه، ولم أبدي اهتماما لآرائه ولم أدخل معه في جدال عقيم.
فلما أحس بالسم الذي تقطره عينايا حقدا على تصرفاته قال: إن خدمتك لا تعنيني ثم عرض علي أن يمسح حذائي لأن خدمتي وقضاء مصالحي لا تعنيه متفاخرا بكونه رئيس مصلحة ولا ينبغي لي الاحتكام إلى الشجار في وجه قراراته فأخبرته أن لا فرق عندي بين رئيس مصلحة وعامل في مزرعة، ولربما العامل أشرف ...وأن فتطاير الدخان من جمجمته وأظن حفيظته احترقت
ثم تذكرت قول الشافعي: "والله لو علمت أن شرب الماء يلثم مروءتي ما شربته طول حياتي"
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ ... أفرس تحتي أم حمارُ؟ وأخذت ورقتي بعد أن سواها وانصرفت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق